ذكرت التوراة الروح مضافة إلى القدسية، فجاءت الروحُ بمعنى الوحي بالإلهام، إذ جاء في سِفْرِ الخروج: وملأته من روح الرب بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة. وجاء في سِفْرِ حزقيال: وأجعل روحي في داخِلِكُمْ، وتَحْفَظُونَ أحكامي وتعملون بها. وجاءت الروح بمعنى الثبات والنصرة، التي يؤيد الرب بها من يشاء من عباده المؤمنين. إذ جاء في سِفْرِ التكوين عن يوسف عليه السلام: فقال فرعون لعبيده هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الرب، ثم قال فرعون ليوسف، بعدما أعْلَمَكَ الْرَّبُّ كلَّ هذا، ليس بصيرً وحكيمً مِثْلَك. وجاء في سِفْرِ المزامير على لسانِ داوود عليه السلام: لا تَطْرَحْني من أَمَامِ وَجْهِكِ، وروح قدسك لا تنزعه مني. وجاءت الروح بمعنى جبريل عليه السلام، إذ جاء في سِفْرِ أشعياء: ولكنهم تمردوا وأحزنوا روح قُدُسِه، فتحول لهم عَدُوًّ و حاربهم. وجاء عن داوود عليه السلام: روح الرب تكلم بي، وكَلَّمْتُهُ على لساني، وجاء في سِفْرِ دانيال: وسَمِعْتُ صوت إنسان بين أولادي، فنادى وقال يا جبرائيل. وجاء أن الروح تَهِبُ القوة والنشاط، إذ جاء في سِفْرِ القضاة: فحل عليه روح الرب، فَشَقَّهُ كَشَ قِّ الجَدْيِّ، وليس في يَدِ هِ شيء. كما جاءت الروحُ بمعنى الريح ، وبمعنى روح الإنسان ، وبمعنى الخلق والإحياء، وبغير ذلك من المعاني. والروح سواء أكانت مضافة إلى الرب أم إلى القُدْسِ أم بدون إضافة، فإن المعنى أنها صادرة عن الرب، كما تبين لنا ذلك من النصوص السابقة. واليهود أهل التوراة يعرفون حقيقة معنى الروح، ويعرفون أن الروح القُدُسَ هو الذي يأتي بالوحي إلى الأنبياء، وأنه جبريل عليه السلام. وأنه ينفذ أوامر الرب، ولا يأتي بشيء من عنده. ولكنهم مع كثرة نزوله بالعقاب عليهم لكثرة عصيانهم، كرهوا اسمه واعتبروه عَدُوًّ لهم. فقد ذكر سِفْرُ أشعياء هذه العداوة فقال: ولكنهم تمردوا وأحزنوا روح قُدُسِهِ، فتحول لهم عَدُوًّ وحاربهم. هذه العداوة من اليهود للروح القُدُسَ، جعلتهم يكرهون ذكر إِسْمِهِ، لذلك فقد اهتم اليهود بسؤال الأنبياء عن الروح الذي يأتي بالوحي من السماء، فإن كان جبريل قاطعوا النبي ولم يسمعوا له. أما النصارى وَهُمْ أيضاً يعتقدون بقدسيةِ كتب اليهود، وهي جزء من كتابهم المقدس ويسمونه بالعهد القديم، ويؤمنون به كإيمانهم بالعهد الجديد. فقد جاء في الأناجيل والرسائل ما يصدق ما جاء في التوراة عن حقيقة الروح القُدُس. ذكرت تلك الكتب أنَّ الروح القُدُس كان مع داوود عليه السلام، وأنَّ المسيح عليه السلام قال لهم عنه، وأنه نزل بالوحي إلى الأنبياء والرسل. إذ جاء في سِفْرِ أعمال الرسل: فانصرفوا وهُمْ غير متفقين لما قال بولُس، إنه كلم الروحَ القُدُس. وجاء في رسالة بطرس الثانية: لم تأت نبوةٌ قَط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الرب القديسون من الروح القُدُس. وذكر سِفْرُ أعمال الرسل عداوةَ اليهود للروحِ القُدُس، إذ جاء فيه: يا قساة الرقاب وغير المختونينَ بالقلوب والآذان، أنتم دائماً تقاومون روح القُدُس، كما كان آباؤكم كذلك أنتم. وجاء في الإنجيل أنه بشر زكريا بميلاد يوحنا: فظهر له ملاك الرب واقفاً عن يمين مذبح البخور، فلما رآه زكرِيَّا اضطرب ووقع عليه خوفْ. فقال له الملاك: لا تَخَفْ يا زكريا لأن طلبك قد سُمِع، وأَخْبَرَهُ أن امرأته ستلد له ابناً وتسميه يوحنا، ويكون له فرحاً وابتهاجاً. كما أن مريم أُمُّ المسيح وُجِدَتْ حبلى من الروح القُدُس: ولما كانت مريمَ مَخْطُوبَةً لِ يوسف، لكن قبل أن يجتمعا وُجِدَتْ حبلى من الروح القُدُس. كما نزل الروحُ القُدُس، واستمر معه بعد أن عَمَّدَهُ يوحنا المِعْمِدانِ في ماء الأردُّن: ولما اعتمد جميعَ الشعبِ اعتمد يسوع أيضاً، وإذ كان يُصَلي، انفتحت السماء ونزل عليه الروح القُدُسُ بهيئة حمامة. وقال يوحنا المِعْمِدانِ: إني قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء، وأنا لم أكُنْ أعرفه، لكن الذي أَرْسَلَنِي لِأُعَمِّدَ بالماء، قال لي الذي ترى الروح نازلاً ومُسْتَقِرًّ عليه، فهذا هو الذي يُعَمِّدُ بالروح القُدُسُ . كما أن الروح القُدُس مؤيدٌ للمسيح في دعوته ومعجزاته: فقد جاء في الْإِنْجِيلِ: أما يسوع فَرَجِعَ من الأردن ممتلئاً من الروح القُدُسُ، وجاء أيضاً: ورجع يسوعُ بقوة الروح إلى الجليل. وفي الإنجيل يقول المسيح عليه السلام: روح الرب عَلَيّ لأنه مَسَحَنِيْ لأبشر المساكين، وأرسلني لأشفي مُنْكَسِرِي القلوب. ويتحدث سِفْرُ أعمال الرسل عن المعجزات التي أيد الرب بها المسيح بواسطة الروح القُدُس، إذ يقول: يسوع الذي من الناصرة، كيف مسحه الرَّبُّ بالروح القُدُس. ففي هذين النصين نجد أن الروح القُدُس مرادفٌ للفظ القوة، أي أنه القوة التي أيد الرب بها المسيح عليه السلام، واستطاع بهذه القوة شفاء الأمراض وإجراء المعجزات. كما أخبر المسيح تلاميذه بأن الروح القُدُس سيلهمهم ويؤيدهم فقال: ولكن احذروا من الناس، لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس، وفي مجامعهم يَجْلِدُونَكُمْ وتُساقُونَ أمام ولاة وملوك من أجلي. فَمَتا أَسْلَمُوكُمْ فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون، لأنكم تُعْطَوْنَ في تلك الساعة ما تتكلمون به، لأن لستم أنتم المتكلمين، بل روحُ أَبِيكُمْ الذي يتكلم فيكم. وعند سؤال اليهود للمسيح عن الملاك الذي يؤيده الرب به، أخبرهم أنه الروح القُدُس، فرَدُّ على المسيح ردًّ قبيحاً، وزعموا أنه روحٌ نَجِس. ومرة أخرى زعموا أن الروح القُدُس بلعزبول، ويعني رئيس الشياطين. ففي الإنجيل: أما الفريسيون فَلَمَّا سَمِعُو، قالُ هذا لا يُخْرِجُ الشياطين إلا ببلعزبول رئيس الشياطين. فَعَلِمَ يسوعُ أفكارهم، وقال لهم: إن كُنْتُ أنا بِ بلعزبولِ أُخْرِجُ الشياطين، فأبناؤكم من يخرجون. ثم حَذَّرَهُمْ من القول على الروح القُدُسِ إنه روحٌ نَجِس، فقال أقول لكم كل خَطِيئَةٍ وتجديف يُغْفَرُ للناس، وأما التجديف على الروح فلن يُغْفَرُ للناس.
- Күн бұрын
جبريل في الانجيل و التوراة - Gabriel in the Bible and the Torah
- Рет қаралды 4,977
Пікірлер: 13