هذه هي سنغافورة حيث يعرفها العالم، الحداثة والمناظر السياحية الخلابة والمباني المميزة، من المطارات الى الفنادق، حتى متاجر شركة آبل العائمة، لكن هناك شيء واحد مفقود، المزارع الزراعية.
سنغافورة تستورد سنويا أكثر من 90% من موادها الغذائية، وهذا معناه في حالة حدوث جائحة مثل جائحة كورونا أو توتر جيوسياسي فذلك سيؤثر على امداد سنغافورة بالطعام.، وبالتالي يصبح الاعتماد على الذات في انتاج الطعام محليا أمر حيوي لا غنى عنه.
ولنجاح خطة الاعتماد على الذات وضعت حكومة سنغافورة هدف طموح وهو انتاج 30 % من استهلاكها السنوي من المواد الغذائية بحلول عام 2030.
لكن يصعب إيجاد أراضي غير مستغلة بسنغافورة، وبالتالي انتشرت المزارع المدنية في كل مكان داخل سنغافورة، وبما أن سكان العالم يتحولون الى المدنية والحداثة فهذا سيكون أيضا مصير الزراعة، وهذا معناه تغيير ثقافة البنية التحتية للإنشاءات لتناسب الزراعة الحديثة.
اليوم يعتبر سكان سنغافورة مدنيين بنسبة 100%، أما المزارع التقليدية أو الأراضي الزراعية لا تمثل 1% من مساحة الدولة، لكنها لم تكن دائما على هذا الحال، حجم الإنتاج الزراعي في سنغافورة لم يكن يشكل جزء أساسي من اقتصادها، حيث في الستينات كان الإنتاج الزراعي يمثل 4% من الناتج الإجمالي المحلي لسنغافورة.
وذلك لأن سنغافورة عملت على الاستثمار في تنمية الحداثة والمدنية والاقتصاد تم تحويله من الزراعة الى الصناعة، وبحلول عام 2000 أصبحت الزراعة تقريبا غير موجودة باقتصاد سنغافورة، وهذا أدى الى خسارة سنغافورة أجيال من المعرفة الخاصة بالإنتاج الزراعي.
بورن لو مسوق رقمي، تحول الى الزراعة المدنية، وشارك في تأسيس شركة edible garden city حيث قامت تلك الشركة ببناء أكثر من 260 مزرعة مدنية في سنغافورة، سواء للمنازل أو للفنادق أو المطاعم، وحتى فوق أسطح المولات التجارية والمدارس.
وفي خلال العشر سنوات الماضية دخلت الحكومة والمستثمرين مجال الزراعة المدنية وجعلها على نطاق واسع وأكبر، حيث قام بعض المستثمرين ببناء مزارع سمكية، ومزارع لانتاج البيض، والذي ساعد على ذلك استقدام أصحاب التكنولوجيا من هولندا واليابان الى سنغافورة، حيث أعلنوا عن نيتهم في جعل سنغافورة منصة لانتشار التكنولوجيا الخاصة بهم.
في عام 2009 بدأت المباني الجديدة في سنغافورة تهيئ أساسها لاستقبال وبناء المزارع العمودية وذلك بفضل سياسة تخطيط المدينة والمسماة LUSH والتي تعني مناظر طبيعية للأماكن المدنية والمرتفعة.
حيث تطلب من المطورين العقارين وضع الزراعة المدنية ضمن خطة الانشاء، وبالتالي تلك السياسة ساعدت على انتشار المناظر الطبيعية والخضراء بجميع أنحاء سنغافورة.
ومع خطة الحكومة للوصول الى هدفها في عام 2030، وبمساعدة LUSH أصبح بالإمكان لسنغافورة بناء نهضتها الغذائية، حيث الاستراتيجية تعتمد على زيادة الإنتاج الزراعي والاستفادة منه في الناتج الإجمالي المحلي وذلك بكل الوسائل الممكنة مثل تكنولوجيا الزراعة والمزارع العمودية والداخلية وبالتأكيد المزارع المائية.
دعنا نلقي نظرة على المزارع الداخلية والتي تعتبر جزء من خطة سنغافورة للتخضير، شركة artisan green تزرع السبانخ بالتحكم في البيئة الداخلية، حيث تستعمل الماء بدلا من التربة والمبيدات الحشرية، حيث تتحكم الشركة في الإضاءة ودرجة الحرارة وجعلها ملاءمة للمحاصيل الزراعية.
أما شركة سكاي جرينز تستعمل الطاقة الهيدروليكية للدوران وري المحاصيل الزراعية في نموذج المزارع العمودية، حيث الأرفف تكون مرصوصة بطول 9 م لكنها تعتمد على ضوء الشمس وبالتالي هذا النوع من المزارع تعتبر مزارع مفتوحة عكس المزارع الداخلية حيث يتم التحكم في الإضاءة.
كما في الزراعة الداخلية يتم التحكم في البيئة وبالتالي لن يكون هناك بعض النتائج السلبية التي تنتج من الزراعة التقليدية مثل تلوث الماء بالمبيدات الحشرية، وتعتمد الزراعة على كمية صغيرة من الطاقة المكثفة.
لكن بسبب تكلفة العمالة الماهرة والطاقة والتكنولوجية يصعب على الزراعة المدنية منافسة أسعار المواد الغذائية المستوردة، وبالتالي يعتبر السعر تحدي للمزارع المدنية، لكن أصبحت الأسعار في انخفاض دائم نتيجة الاستثمار في تكنولوجيا الزراعة والتحكم في البيئة الزراعية والتوسع في الأبنية الزراعية.
شركة سيتي بونيكس بالشراكة مع هيئة غذاء سنغافورة استطاعت أن تبني مزرعة على نطاق تجاري أعلى جراج متعدد الطوابق، حيث تزرع الخس والسبانخ والريحان، وذلك باستعمال طريقة الرفوف المتراصة في الزراعة العمودية.
حكومة سنغافورة تعمل على طرح مزيد من الأماكن لاستخدامها في الزراعة المدنية، حيث منذ عام 2020 وفرت على الأقل 16 من أسطح مواقف السيارات وذلك لتأجيرها لمدة ثلاث سنوات لاستخدامها في الزراعة المدنية.
بالإضافة الى الهدف الأساسي للحكومة وهو توفير 30% من الغذاء محليا، فإنها أيضا تهدف الى تقليل درجة حرارة الجو في سنغافورة باستخدام تلك المزارع المدنية، هدف الحكومة الاستراتيجي أدى الى تأسيس كثير من الشركات التي تهتم بتصميم أماكن الزراعة المدنية وجعلها زراعة مستدامة.
كما أن شركة arup زارت سنغافورة في عام 2019 لاستكشاف مستقبل الزراعة المدنية، لكن الزراعة المدنية من المفهوم حتى البناء والانشاءات هو نصف الكوب المملوء، لان أكبر عائق يواجه الزراعة المدنية هو تسويق المنتج وجعله مقبول محليا خاصة ان أسعاره مرتفعة عن الغذاء المستورد.
وبالتالي تعمل حكومة سنغافورة على حث وتشجيع المواطنين للمشاركة في نجاح منتجات الزراعة المدنية.
سنغافورة ليست الدولة الأولى في التحول الى الزراعة المدنية، في التسعينات بدأت كوبا في بناء البنية الأساسية للزراعة المدنية، وذلك نتيجة انهيار الاتحاد السوفيتي وخسارة كوبا لنصف المنتجات البترولية التي كانت تأتي اليها دعم من الاتحاد السوفيتي، كما يوجد حاليا مدن مثل ساوباولو وسيول وطوكيو كلها بدأت في بناء الزراعة المدنية، لكن الذي يجعل سنغافورة مميزة في ذلك المجال هو عدم استعمال التربة، تعتبر سنغافورة مثال حي للزراعة في العصر الحديث.
#غذاء
Негізгі бет Ғылым және технология خطة سنغافورة لبناء مزارع المستقبل | اقتصاد الطاقة
Пікірлер: 6