وفي سياق معنى الحبّ الذي هو الانجذاب نحو الكمال يأتي حبُّ أهل الإيمان الذي هو حبٌّ لكمالاتهم التي هي مظهر الكمالات الإلهيّة، وبالتالي يكون حبّهم هو في الله تعالى، من هنا لازم هذا الحبُّ الإيمانَ، كما في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: قال رسول الله لأصحابه: "أيّ عُرى الإيمان أوثق"؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، وقال بعضهم: الصلاة، وقال بعضهم الزكاة، وقال بعضهم: الصيام، وقال بعضهم: الحجّ والعمرة، وقال بعضهم: الجهاد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لكلّ ما قلتم فضل، وليس به، ولكن أوثق عُرى الإيمان الحبُّ في الله والبغض في الله، وتولّي أولياء الله، والتّبري من أعداء الله"8.
وفي حديث عن الإمام الصادق عليه السلام يستدلّ به على الدين من خلال حبّ الإخوان، فعن سماعة بن مهران: قال لي أبو عبد الله: "يا سماعة، كيف حبّك لإخوانك"؟ قلت: جعلت فداك، والله إنّي أحبّهم وأودّهم، قال: "يا سماعة، إذا رأيت الرجل شديد الحبّ لإخوانه، فهكذا هو في دينه"9.
وفي الإطار نفسه ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما التقى مؤمنان قطّ إلاّ كان أفضلهما أشدّ حبًّا لأخيه"10.
وعن ثواب الأحبَّاء في الله ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أيضًا: "إنّ المتحابّين في الله يوم القيامة على منابر من نور، قد أضاء نور وجوههم ونور أجسادهم، ونور منابرهم كلّ شيء حتّى يُعرفوا، فيُقال: هؤلاء المتحابّون في الله"11.
وفي حديث عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنّ حول العرش منابر من نور، عليها قوم لباسهم ووجوههم نور، ليسوا بأنبياء، يغبطهم الأنبياء والشهداء"، قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "هم المتحابّون في الله، والمتجالسون في الله، والمتزاورون في الله"12.
حبُّ الناس
كما أنَّ منطلَق الحبِّ هو الكمال الذي في المحبوب، فإنّ منطلق البُغض يجب أن يكون العداء لهذا الكمال، وباعتبار عداء الكمال، فإنّ المسار الطبيعيّ أن لا يحصل أدنى انجذاب لمن يحمل هذا العداء، وبالتالي
لا يجوز أن يُقابل عدوّ الكمال بما هو تجلٍّ للحبّ أعني المودّة، لذا قال الله تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾13.
إذاً المؤمن بين صنفين من الناس: صنف يودّهم في الله, لأجل كمالهم الإيمانيّ، وصنف لا يودّهم, لأجل عداوتهم لله وأهل الإيمان.
وقد يوجد صنف ثالث من الناس لا يعادون الله ورسوله وسائر أوليائه والمؤمنين، لكنّهم ليسوا من أهل الديانة والإيمان، فما هو الموقف من حبِّ هؤلاء والتعامل معهم؟
لقد حدّد الإمام عليّ عليه السلام النظرة الإسلاميّة الإنسانيّة إلى هؤلاء بقوله: "إمّا أخٌ لك في الدين، وإمّا نظيرٌ لك في الخلق"14. فهم محترمون من حيث كونهم من الذين أنعم الله عليهم بالوجود الإنسانيّ. وهم من خلال وجودهم كانوا عيالاً لله تعالى، أحبّ عزّ وجلّ أن يتعامل معهم على أساس النفع لهم بما يعود إلى جهة كمالهم، ففي الحديث: "الخلق كلّهم عيال الله، فأحبّهم إلى الله أنفعهم لعياله"15.
وبما أنّ الحبّ هو انجذاب القلب بسبب كمال يراه المحبّ في المحبوب، فإنّ الكمالات الإنسانيّة التي تكون في الإنسان من غير أهل الإيمان تجذب القلب، وبالتالي الثناء عليه والإحسان إليه، ولهذا شواهد من
السيرة النبويّة وأحاديث أهل البيت عليهم السلام، ففي سيرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ ابنة حاتم الطائيّ لمّا وصلت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسيرة قالت: أي محمّد، مات الوالد، وغاب الوافد، فإن رأيتَ أن تخلِّي عني، ولا تشمت بي الأعداء، أو أحياء العرب، فإنّي ابنة سيّد قوم، وإنّ أبي كان يحبّ مكارم الأخلاق، وكان يُطعم الجائع، ويفكّ العاني16، ويكسو العاري، وما أتاه طالب حاجة إلا وردّه بها، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "يا جارية، هذه صفات المؤمنين حقًّا، لو كان أبوك مسلمًا لترحّمنا عليه، ثمّ قال صلى الله عليه وآله وسلم: أطلقوها كرامة لأبيها"، فقالت: أنا ومن معي، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أطلقوا من معها كرامة لها"17.
وما يشهد لذلك أيضًا ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: "إنَّ مؤمنًا كان في مملكة جبَّار فولع به, فهرب منه إلى دار الشرك، فنزل برجل من أهل الشرك، فأظلّه، وأرفقه، وأضافه، فلمّا حضره الموت أوحى الله عزَّ وجلَّ إليه: وعزّتي وجلالي لو كان لك في جَنَّتي مسكن لأسكنتُك فيها، ولكنّها محرَّمة على من مات بي مشركًا، ولكن يا نار، هيديه ولا تؤذيه، ويؤتى برزقه طرفي النهار"18.
إنّ ما مرّ يؤكِّد أنّ الأصل في نظرة الإسلام إلى الإنسان هو الإيجابيّة المنطلقة من كونه من عيال الله، والإيجابيّة المنطلقة من الكمالات الإنسانيّة التي فيه، والتي ينجذب إليها قلب العارف بها، وهذه النظرة الإيجابيّة تساعد المؤمن الواعي أن ينطلق منها ليعزِّز الكمالات الإنسانيّة والإيمانيّة في المجتمع الإنسانيّ, ليكون لائقًا أن يكون خليفة الله في الأرض.
Негізгі бет لاتنطي بأخوك..كلام مهم جدا لكل مؤمن...الشيخ علي المياحي
Пікірлер: 55