تعتبر الثكنة العسكرية « لمحلة »، من أقدم معالم التراث المعماري الكولونيالي بمدينة وجدة، بل وبمجموع التراب الوطني، بالنظر لقدم الإستقرار الإستعماري الفرنسي بمدينة زيري بن عطية، فقد احتلت المدينة سنة 1907 حتى قبل فرض الحماية الفرنسية على البلاد بمدة.
وقد عمد الإحتلال الفرنسي منذ احتلالها إلى إقامة العديد من البنيات العمرانية، بهدف تعزيز وجوده واستقراره بها، وتشجيع قدوم المستوطنين الفرنسيين، وقد كانت الثكنة العسكرية « لمحلة »، من أول المعالم الكولونيالية التي شهدت النور وقتها، لدورها في إيواء عناصر جنود الجيش الفرنسي أداة الإحتلال والغزو وأُسَرهم، وقد احتلت مساحة شاسعة فوق مجال ترابي جغرافي استراتيجي مرتفع نسبيا، جنوب المدينة القديمة، مما كان يسمح لقوات الإحتلال بمراقبة حركات وسكنات ساكنتها ومختلف أنشطتهم، وقد امتدت المساحة الشاسعة التي شغلتها الثكنة، من « باب جزاير » شمالا قرب مطحنة « رحا الطبول »، إلى موقع المُصلى القديم، ومقر هوائيات الإذاعة والتلفزة الوطنية جنوبا، حيث المقر الجديد للولاية وولاية الأمن، بجوار كلية الطب والصيدلة.
وبعد استقلال المغرب ورحيل قوات الإحتلال الفرنسي على البلاد، ظلت الثكنة تضطلع بنفس الدور العسكري القديم. فقد استقرت بها عناصر حامية القوات المسلحة الملكية بالمدينة وأسَرهم، وخاصة منهم عناصر الفوج السادس 6eme Bataillon الذي احتل القسم الشمالي من الثكنة، والفوج الثامن 8eme Bataillon في القسم الأوسط منها، وفوج المدرعات في أقصى جنوب الثكنة، حيث كانت هذه الأخيرة وقتها منفتحة جنوبا، في اتجاه سيدي يحيى وسيدي معافة، على حقول وأراضي فلاحية واسعة، أصبحت اليوم بعد الإنفجار الديموغرافي والعمراني الكبير للمدينة، تسكنها العديد من الأحياء السكنية، من قبيل حي القدس والأندلس ... وكذا مرافق جامعة محمد الأول، والمدارس العليا ومراكز التكوين المختلفة.
وغير أنه وأمام كل هذه الظروف المحيطة بالثكنة، وأحوالها المتدهورة المهدِدة لمستقبلها، وفي ظل تفاقم تهافت لوبي العقار، جاءت رصاصة الرحمة بإنهاء وجودها ومحوها من على خريطة المدينة، بفعل قرار تفويتها بالكامل إلى أحد المنعشين العقاريين (شركة الضحى)، الذي شرع في شطب معالمها من على الخريطة، بدءا بالقسم الجنوبي منها، وتعويض معالمها التاريخية النفيسة، بصناديق إسمنتية متراكمة، على شكل تجمعات سكنية بشعة المظهر، تحت يافطة السكن الإقتصادي والمتوسط والفاخر الإسكان.
حدث ويحدث كل هذا، أمام صمت مريب من جميع الجهات والفعاليات المهتمة بالشأن الثقافي بالمدينة، سواء الرسمية منها أو المدَنية. اللهم من صرخات احتجاج غير مسموعة لأفراد أسر الجنود المتقاعدين، القاطنة بالأحياء السكنية للثكنة، والمهددة بالإفراغ. غير أن احتجاجاتهم هذه، تتخذ شكل مطالب اجتماعية رافضة لإفراغ مساكن الثكنة، مقابل الإستفادة من شقق السكن الإقتصادي، ومتمسكة بمطلب إعادة إسكانهم في مساكن لائقة. ولا علاقة لهذه الإحتجاجات بالأهمية والبعد الثقافي للثكنة، ولا بقيمتها كذاكرة تاريخية، ولا بضرورة إنقاذ ما تبقى من معالمها.
Негізгі бет الكرطي
Пікірлер: 809