مناظرة بين نعوم تشومسكي وميشيل فوكو
الكاتب ميشيل فوكو
عام 1971، أثناء ذروة حرب فيتنام، وفي زمن من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي العظيم، دعا الفيلسوف الهولندي فونز إلدرز اثنين من قادة المثقفين؛ نعوم تشومسكي وميشيل فوكو، لمناظرة تدور حول السؤال القديم: هل هناك شيء يدعى الطبيعة الإنسانية "الموروثة" المستقلة عن خبرتنا والتأثيرات الخارجية؟
الحوار الذي بدأ كنقاش فلسفي منطلقاً من اللغويات ونظرية المعرفة انتقل إلى نقاش أعم، غطى مساحة كبيرة من الموضوعات، امتدت من العلم والتاريخ وعلم النفس إلى الإبداع والحرية والنضال من أجل العدالة.
يضم هذا الكتاب الصادر تحت عنوان «عن الطبيعة الإنسانية» المناظرة الشهيرة بين نعوم تشومسكي وميشيل فوكو، وقد أجري هذا الحوار في هولندا في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1971، وفيه تحدث تشومسكي بالإنجليزية، وفوكو بالفرنسية، وتم عرضه في التلفزيون الهولندي، وكان حلقة من سلسلة مناظرات يستضيف فيها المفكر الهولندي فونز إلدرز فيلسوفين من تيارين مختلفين، وأحيانا متضادّين من بين مفكري القرن العشرين، ليتواجها على الشاشة، إلا أن كلاً من تشومسكي وفوكو ليسا فيلسوفين بالمعنى الأكاديمي الضيق، فكلاهما طوّر مقاربة أصيلة جداً في دراسة اللغة، كما أنهما أسهما في تحديد دور المثقف السياسي، أو العام.
وتنقّل المتناظران في مواضع متعددة مستخدمين لغتين أمام جمهور التلفزيون الهولندي في هذه اللحظة الفريدة، عابرين من أسئلة اللغة والإبداع إلى أسئلة السلطة والسياسة، فأتاح هذا الحوار مساحة للنقاش عبر الجغرافيات الفكرية والسياسية، وبدا أن الخلاف على «الطبيعة الإنسانية» يبلور الاختلافات في المقاربة اللغوية والفلسفية والسياسية في الوقت نفسه، في أعمال تشومسكي وفوكو، وفي بلديهما.
بأي طريقة أعدت دراسة اللغة والخطاب كلاً منهما لدوره السياسي الجديد؟ بعبارة أخرى، ما العلاقة بين اللغويات والسياسة أو ما دور السلطة في تحليل الخطاب؟ فبمعنى ما كانت هي ذروة المناظرة مع محاولة كل منهما ترجمة السؤال الأساسي بمصطلحاته الخاصة، فهل هي مسألة الكليات اللغوية وعلاقتها بالعدالة والملاءمة الإنسانية كما رأى تشومسكي، أم هي قضية قيود تاريخية ومادية وعلاقاتها بممارسة السلطة كما أصرّ فوكو؟ بعد محاولات مهذبة عدة لإيجاد أرضية مشتركة اندلع خلاف في هذا السياق، وفي النهاية كما هو معتاد في هذه الحوارات، لم يصلا إلى حل.
ويوضح الكتاب أن مشكلة السلطة امتدت لأسئلة طرحها تشومسكي عن العدالة في نهاية الحوار مع فوكو، فبأي طريقة يمكن أن نجد هذا النوع من المسؤولية السياسية في المؤسسات المتحققة وخطابات العدالة، وكذلك في فكرة العدالة نفسها، كانت هذه مشكلة اهتم بها فوكو بعمق، ورغب في العمل عليها، فالحقوق الاجتماعية تظهر من معرفة جديدة للظروف الاجتماعية والعملية والنضالات المتعلقة بها، وفي النهاية فإن طبيعة مثل هذه الحقوق وضمانها يعتمدان على السياسة وأنواع المعرفة والخبرة.
......................
ميشيل فوكو
مفكر وفيلسوف فرنسي، يعد أحد أهم المفكرين الغربيين في النصف الثاني من القرن العشرين، كما يوصف بأنه الفيلسوف الأكثر تأثيرا في فلاسفة ما بعد الحداثة.
الولادة والنشأة
التوجه الفكري
انتمى إلى الحزب الشيوعي الفرنسي خلال 1950-1953.
بدأت شهرته 1969 بعد إصداره كتاب "حفريات المعرفة". واتسم مساره الفكري بإبانته عن التزامه باعتباره "مثقفا من أهل التخصص" وليس باعتباره "مثقفا شموليا" على طريقة سلفه جون بول سارتر.
بهذه الصفة ناضل فوكو إلى جانب اليسار الراديكالي "القضية البروليتارية"، وأسس "فريق الإخبار بحال السجون" الذي استقصى سريا أحوال المعتقلين لأجل إدانة الوضع الذي كانوا يوجدون عليه.
المؤلفات
ترك فوكو مؤلفات عديدة نُقل بعضها إلى اللسان العربي، ومن أهمها: تاريخ الجنون (1961)، "ميلاد العيادة" (1963)، "حفريات المعرفة" (1969)، "المراقبة والعقاب" (1975)، "تاريخ الحياة الجنسية" (1976-1984).
الوفاة
مات الفيلسوف ميشيل فوكو يوم 25 يونيو/حزيران 1984 في مستشفى بباريس مصابا بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز).
.......................
نعوم تشومسكي
مفكر وكاتب وأكاديمي وسياسي أميركي؛ يعد من أبرز مثقفي العالم، واشتهر بنقده الحاد لما يسميه "الليبرالية المتوحشة" وللسياسة الخارجية لحكومات بلاده، وخاصة تدخلاتها العسكرية منذ الثلث الأخير من القرن العشرين.
المولد والنشأة
التوجه الفكري
انضم تشومسكي في صغره إلى جمعيات متعددة لكنه عُرف بانزعاجه من طريقة التدريس الصارمة آنذاك. أعجب بأفكار التيارات اليسارية وإن انتقد الماركسية فكرا وسياسة.
كان صهيونيا في بداية حياته، لكن "صهيونيته كانت من النوع الذي يريد صاحبها قيام دولة اشتراكية في إسرائيل، يعمل فيها اليهود والعرب جنبا إلى جنب على قدم المساواة". ثم اتهمته لاحقا الأوساط الصهيونية بمعاداة السامية لأنه دافع عن حق أستاذ جامعي فرنسي في حرية التعبير دفاعا عن حقوق الفلسطينيين، وهو الدفاع الذي ما فتئ تشومسكي يمارسه منذ عقود.
التجربة العملية
في ميدان تخصصه العلمي؛ يوصف تشومسكي بأنه "أب اللسانيات الحديث" وصاحب نظرية "النحو التوليدي"، التي تعد أهم إسهام في مجال النظريات اللغوية في القرن العشرين. ومنذ التحاقه بالمعهد عدل نظريته اللسانية عدة مرات، لكن مع الحفاظ على مسلماتها الأساسية. كما يعتبر منشئ نظرية "تسلسل تشومسكي" الخاصة بالتحليل اللغوي.
وفي المجال السياسي؛ اهتم تشومسكي مبكرا بالفلسفة الفوضوية وتوسع في انتقاد الرأسمالية الليبرالية والدعاية في وسائل الإعلام، إضافة إلى السياسة الخارجية الأميركية، ولذلك فإنه لا يتردد في وصف نفسه بـ"النقابي الفوضوي، والليبرالي الاشتراكي".
ساند حركة الطلاب الاحتجاجية عام 1968، واعتقل عدة مرات حيث أدرجه الرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون ضمن لائحة "أعداء البلاد". كما اشتهر عام 1967 بمعارضته للتورط العسكري الأميركي في فيتنام من خلال مقالته "مسؤولية المثقفين" فصُنف ضمن "اليسار الجديد".
Негізгі бет القراء قادة، كتاب الشهر. عن الطبيعة الإنسانية. إدارة الحوار د. منصور الجنادي
Пікірлер