في قريةٍ صغيرةٍ وهادئة، عاش رجلٌ يُدعى سالم. كان سالم رجلاً بسيطاً، يعملُ بجدٍّ في أرضه الصغيرة التي ورثها عن والده. كانت حياته تسيرُ بسلاسة، ولم يكن يطلبُ من الدنيا أكثر مما أعطته. كان يعيشُ مع زوجته وأطفاله حياةً مليئةً بالقناعة والرضا. لم يكن يملكُ الكثير، لكنه كان سعيداً بما لديه. علاوةً على ذلك، كان سالم محبوباً بين أهل القرية، فقد كان معروفاً بلطفه وكرمه، يساعدُ جيرانه بلا تردّد، ويُشاركهم مما تجودُ به أرضه.
في البيت المجاور، عاش رجلٌ آخر يُدعى فهد. كان فهد مختلفاً تماماً عن سالم. على الرغم من أن لديه أرضاً واسعة وبيتاً كبيراً، إلا أنه لم يكن سعيداً. كان دائماً يشعرُ بالضيق والحسد تجاه من حوله. نظرته إلى الدنيا كانت مليئةً بالتذمّر والطمع، ودائماً ما كان يعتقد أن الآخرين يحصلون على أكثر مما يستحقون، بينما هو محروم.
كان فهد يُراقبُ سالم باستمرار. رأى كيف أن أهل القرية يحبون سالم، وكيف أن أرضه، رغم صغرها، تعطيه من الثمار ما يكفيه ويزيد عن حاجته، بينما كانت أرض فهد، رغم اتساعها، تُثمر بشح. كان يكرهُ رؤية الابتسامة الدائمة على وجه سالم، ويرى في نجاحه ظلماً له. كلما رأى أحداً يتحدثُ مع سالم بود، ازداد حقده، وكلما سمع الناس يمتدحونه، شعر بأن النار تشتعل في قلبه.
ذات يومٍ، وبينما كان سالم يعملُ في حقله، جاءه أحد الجيران وأهداه شجرة برتقال صغيرة. كان الجار يعلم أن سالم يحبُّ الزراعة، فأراد أن يُقدّم له شيئاً يُدخل السرور إلى قلبه. شكر سالم جاره بحرارة، وغرس الشجرة في فناء منزله، وبدأ يعتني بها بحبٍّ واهتمام. مر الوقت، وكبرت الشجرة، وبدأت تُثمر أجمل وأحلى ثمار البرتقال. كانت الثمار ناضجة ووفيرة، لدرجة أن سالم لم يكن بحاجة إلى كل هذا الكم، فبدأ يوزع البرتقال على جيرانه وأصدقائه، محبةً وإحساناً.
انتشرت رائحة البرتقال في أنحاء القرية، وأصبحت شجرة سالم حديث الجميع. كان الأطفال يمرّون بجانب منزله ويقفون ليتأملوا الثمار الذهبية المتدلية من الأغصان. أما فهد، فكان يقف عند نافذته كل صباح، ينظر بحسدٍ إلى الشجرة المثمرة. كان يرى كيف يأتي الناس إلى سالم ويشكرونه على كرمه، وكيف أن شجرة البرتقال أصبحت رمزاً لمحبة الناس لسالم. كان قلبه يشتعل حسداً، ولم يعد يستطيع تحمّل رؤية نجاح جاره المتواضع.
في إحدى الليالي المظلمة، قرر فهد أن يضع حداً لهذه الغيرة التي تعذبه. فكّر أن الحل الوحيد هو التخلص من الشجرة التي كانت مصدر حقده وغيظه. "إن لم تكن لي، فلن تكون له أيضاً"، قال لنفسه وهو يضع خطته الشريرة. قرر أن يقتلع الشجرة ويخلّص نفسه من هذا الشعور الذي يكاد يمزّقه.
انتظر حتى منتصف الليل، عندما هدأ كل شيء وخلد الجميع إلى النوم. تسلّل من منزله حاملاً فأساً في يده، واتّجه نحو بيت سالم. كانت السماء مظلمة، والقمر محجوب خلف الغيوم، مما جعله يشعر وكأن الطبيعة تتواطأ معه في فعلته. وقف أمام الشجرة ونظر إليها ملياً، ثم بدأ في الحفر حول جذورها.
ولكن بينما كان يحفر، شعر فجأة بشيء غريب. كانت الرياح تهبُّ بهدوء، لكن الأرض تحت قدميه بدأت تهتزُّ بخفة. تجاهل الأمر في البداية واستمر في الحفر، ولكن مع كل ضربة من فأسه، كان يشعر بأن الأرض تزداد اضطراباً. فجأة، سمع صوتاً خافتاً يأتي من الرياح وكأنه همس: "ما تفعله لن يجلب لك سوى الندم...". ارتجف فهد من الخوف، لكنه تجاهل الصوت وواصل عمله.
بينما كان يهمُّ بقطع الجذور، انفجرت الأرض تحت قدميه فجأة، وكأن الشجرة كانت تدافع عن نفسها. ارتبك فهد وأسقط الفأس من يده وهرب مسرعاً إلى بيته، وقلبه مليء بالخوف والندم. عاد إلى منزله دون أن يُكمِل مهمته، لكنه شعر أن الأمور لن تسير كما كان يتوقع.
في صباح اليوم التالي، استيقظ فهد ليجد أن شيئاً غريباً قد حدث في حديقته. كانت جميع أشجاره التي اعتنى بها لسنوات قد ذبلت. أوراقها الصفراء تتساقط على الأرض، والأغصان تبدو جافة كأنها لم تُسقَ منذ شهور. حاول بكل الطرق أن يُنقذ ما يمكن إنقاذه، ولكن كل محاولاته باءت بالفشل. لقد فقد فهد كل شيء في حديقته في لحظةٍ واحدة.
أما سالم، فلم يكن يعلم بما حاول فهد أن يفعله في الليلة السابقة. استيقظ كعادته وخرج إلى فناء منزله ليتفقد شجرة البرتقال. وجدها تزداد جمالاً يوماً بعد يوم، وكانت ثمارها تتلألأ تحت أشعة الشمس. خرج سالم إلى السوق ليشتري بعض الحاجيات، وعندما عاد، وجد أمام منزله جمعاً من الناس. تقدم منهم واستغرب لرؤية فهد واقفاً بينهم، وعيناه مليئتان بالدموع.
قال فهد بصوتٍ مرتجف: "يا سالم، جئتُ أعتذر لك. لقد حاولتُ أن أقتلع شجرتك في الليل، ولكن الله أراد أن يعاقبني على فعلتي. فقدتُ كل ما لديّ في حديقتي، ولم أجد راحةً حتى جئتُ لأطلب منك الصفح".
ابتسم سالم بحنانٍ وقال: "يا فهد، لا داعي لكل هذا. الحسد لا يجلب سوى الألم، والله يرزق من يشاء بغير حساب. كان يكفي أن تطلب مني، وسأعطيك ما تشاء من ثمار شجرتي. فالله يبارك في القليل عندما يكون القلب صافياً".
بهذه الكلمات، شعر فهد وكأن حملاً ثقيلاً قد أُزيح عن كاهله. أدرك حينها أن الحسد لم يجلب له سوى الشقاء والخسارة، بينما كان بإمكانه أن يعيش بسلام لو تقبّل نصيبه ورضي بما لديه.
ومنذ ذلك اليوم، تغيّرت حياة فهد. بدأ يُشارك جيرانه فيما لديه، وتعلم أن الخير يزيد عندما نُشاركه مع الآخرين. أما سالم، فقد ظل كما هو، مثالاً للتواضع والقناعة، وعاش الجميع في القرية بسلامٍ ووئام. #حكم #history #خواطر #قصص #اقتباسات #اقوال #حكايات #story #حكايات_وقصص
Негізгі бет قصة الجار الحسود
Пікірлер