شرح ديوان رؤبة بن العجاج التميمي شعر الأراجيز
قصائد الشعر. الأدب العربي
دائما شغل فكري وبالي أن أضيف شيئاً للغة العربية، فقررت أن أشرح ديوان رؤبة بن العجاج التميمي،
وأراجيز رؤبة مليئة وغنية بالالفاظ والمعاني والتشبيهات العالية، ورؤبة هو الذي طور و رفع هذا الفن أقصد الرجز.
وقد نصور حلقة نتكلم فيها عن ذلك.
وصف المفازة
وقاتمِ الأعماقِ خاوي المُخْتَرَقْ
مُشتبِهِ الأعلامِ لمَّاعِ الخَفَقْ
القاتمُ من القَتَامِ وهي الغُبرةُ إلي الحُمْرَةِ.
والأعماقُ جمعُ عَمْقٍ، يقال بئرٌ عميقة أي بعيدة.
والخاوي: الخالي، يقال خوِيَ بطنُه إذا لم يكن فيه شئ؛ وخَوِيَ النَّجمُ خُوِيًّا إذا سقَطَ ولم يكن له مطر.
المخترق: الممر. يقال اخترق الزُّقاق: مر فيه.
واخترقَ السهمُ الرميةَ أو الغرضَ: نفذ منها ومر.
ومخترقُ الرياحِ مَهَبُّهَا.
يصف الشاعرُ المفازةَ، فيقول إنها صحراءُ
قاتمةُ الأعماق، واسعةٌ ضاربةٌ
في الاتساعِ والشسوع حتي يتبدي
للسالكِ فيها من بعدِ أطرافها غُبْرَةٌ شديدةُ الحُمرة.
وقد أبدع رؤبةُ حيث أنه بقليلٍ من الألفاظِ قد نقلنا من عالمنا حيث المكتب والدفاتر والأوراق المحابر،
إلي عالمه داخلَ تيك الفلاة المجدبة.
فلو تخيلتَ أنك راكبٌ علي ناقةٍ نجيبةٍ عيطموسٍ فتية، وأنت فوقها في قلب هذه البيداء،
فتمد البصر فلا تري إلا بُعدًا حيث لا نهاية،
وكل الذي تراه في هذا البعد السحيق غبرةٌ حمراء
كشمس المغيب أو أشد حمرة. فهي صحراء جرداء لا شجر بها بل خالية وخاوية، لا نبات بها ولا ماء فهي ماحلةٌ جدباء.
وقاتمِ الأعماقِ خاوي المخترق: كُسِرتْ قاتم علي قول، ورُبّ قاتمٍ.
أما البيت الثاني: مشتبه الأعلام لماعِ الخفق: فالأعلام هي الجبال. قال الله: وله الجواري المنشآت في البحر كالأعلام.
أي له السفن الضخمة التي تجري
في البحر بمنافع الناس،
رافعةً قلاعُها وأشرعتُها كالجبال.
فيعني بمشتبه الأعلام أن هذه المفازة
جبالُها متشابهةٌ يشبهُ بعضُها بعضاً،
فتشتبهُ السِّرايةُ فيها عليه، والسرايةُ سري الليل، والمقصود السير عامته في النهار والليل.
والجبال مما يَستدلُّ به الساري في الصحراء،
فلما كانت هذه العلامات متشابهةٌ
في هذا القفر صعُب حينها
السير فيها من كثرة التوهم .
فيقول لو كان علي غير هذه الصفة وهي تشابُه أعلامُه، لاهتديت فيه.
أما قوله الخَفَق: أصل الكلمةِ ساكنةُ الفاء، وإنما حركها من أجل القافية.
والمقصود بلماع الخفق يريد أنه يلمع فيه السراب.
لماع الخفق أي مضطربٌ سرابُهُ، فاللماعُ الذي يلمع سرابه.
ويقال لمَّاعةٌ للصحراءِ الواسعةِ التي يلمع فيها
السراب. كما يقال شمسٌ لمَّاعةٌ قويةُ اللمعان، ومعدِنٌ لماع كثير اللمعان.
وقاتم الأعماقِ خاوي المخترق، مشتبهِ الأعلامِ لماعِ الخفقْ. يقول إنها صحراء
واسعةٌ مترامية الأطراف،
جرداء جدباء لانبات فيها خاوية المخترق،
فلا شجر فيها، أي ليس بها ما تستريحُ العينُ
برؤيته كالخضرة والنضرة، فما تري العينُ سوي غُبرةٍ حمراءَ علي مَدِّ البصر.
وما يزيد الأمر صعوبة، هو أن جبالَها التي يستدلُّ بها الساري متشابهةٌ،
وهذا يؤدي بالسائر إلي الوهم،
حتي يَظُنّ أو يتوهم أنه عاد من حيث بدأ.
وقد قال رؤية في أرجوزة أخري يصف فيها
المفازة والسراب التي مطلعها وبلدٍ عاميةٍ
أعماؤهُ.. كأن لونَ أرضه سماؤهُ
وفيها هابي العشي ديسقٍ ضحاؤه
إذا السرابُ انتسجت إضاؤهُ
هيهات في مُنخَرِقٍ هيهاؤهُ
مُشتبهٍ متيهٍ تيهاؤهُ
ثم يوغلُ الشاعرُ في الوصف ويضاعفُ من حِدتِهِ
فيقول كما أن سرابها يلتمع ويضطرب،
بقوله لماعِ الخفق.
ننتقل إلى البيت الثالث والرابع
يكل وفد الريح من حيث انخرق
شأز بمن عوَّهَ جدب المنطلقْ
كلَّ الشئُ يَكِلُّ كَلًّا، كَلالا، كلالةً، كلولاً:
ضعُف، فهو كليل.
كلت الريح: ضعُفتْ عن الجري والهبوب.
وفدُ الريح: أول الريح، كما يقال وفد القوم أولهم.
انخرق يعني من حيث صار خرْقاً.
و الخرق: الواسع من الأرض؛
وكما هو معلومٌ إذا اتسع موضعٌ ما فترتْ فيه الريح وضعفتْ،
وإذا ضاق اشتدَّ هبوبُها.
معني الشطر: كل هذا مازال الشاعر ينوهُ علي اتساع المفازة التي يَصِفُها،
فيقول من اتساع هذا القاتمِ الأعماقِ
تجدُ الرياحَ كليلةً عن الهُبوبِ والجريان.
الشأز بمعني الشأس: وهو الغليظ الخشن الصلب.
يقول هو شأزٌ كما تري،غليظٌ خشِنٌ
لا يُقيم به أحدٌ لغلظِهِ،
وهذا يدلُ علي قلة الأنيس والونيس.
عوه: أقام به قليلا. شأزٌ بمن عوه: غليظ لمن أقام به ولو قليلا للراحةِ والتفريج.
جدب المنطلق: مثله كخاوي المخترق
أجدب أمحل لا نبات به ولا شجر.
شأزٍ بمن عوه جدب المنطلق:
يعني إن أقام به أحدٌ ولو قليلا أشأزَه وأشخصه
أي أزعجه كأنه بلسانِ الحالِ قائلاً له:
يا هذا قد حان أوانُ رحيلك وذهابك؛
والمنطلق هو المذهَب، فإن انطلق منه، فحالُ القاتم معلومٌ، جدبٌ مُمْحِلٌ.
قال شاعر
فَـبَـاتَ يُشْئِزُهُ ثْــأْدٌ وَيُسْهِرُهُ
تذؤُّبُ الرِّيْحِ والوسْواسُ والهِضَبُ
تذؤب الريح شبهت الريح في مجيئها
مرةً من هنا وتارةً من هنا بالذئب.
ويشئزه: يقلقه ويزعجه.
الثأدُ: الندي. الوَسْواسُ: همسُ الصيادِ وكلامُهُ.
الهِضَبُ: جمعُ هَضْبَةٍ وهي المَطْرَةُ
الدائمةُ العظيمةُ القَطْرِ.
باختصار يكون معني الشطرين: يكل وفد الريح
من حيث انخرق،
شأزٍ بمن عوه جدبِ المنطلق.
يريد أن ما يجئُ من الريح يَفْتُرُ فُتوراً
ويَضْعُفُ فيه لبعدِ أطرافِهِ واتساعِه،
وهذا الموضعُ غليظٌ لا يَستريحٌ فيه أحدٌ
حتي وإنِ انْتوي أن يُقيمَ به ولو قليلاً
ليستريح من وعثاء السفر،
وذلك لصلابته وخشونته وحزونته.
يقول فمن أقام به أقامَ علي جدبٍ وشأزٍ
وإنِ انطلقَ انطلقَ علي جدبٍ كذلك،
ففي كلتا الحالتينِ السائرُ في جُدُوبةٍ ومُحُولةٍ.
Негізгі бет شرح ديوان رؤبة بن العجاج التميمي
No video
Пікірлер: 8