كان اليمنيون القدماء بناءون مهرة ومرد ذلك أنهم أهل حضارة ومساكنهم ثابتة مستقرة ، وكانت الحجارة هي المادة الأساسية التي استخدمت في بناء المنشآت بجميع أشكالها وأنواعها ، حيث يعود الفضل في ذلك إلى الخصائص الجيولوجية التي تميزت بها والتي فهمها المعماري اليمني القديم وأدرك خصائص ومميزات كل نوع من أنواع الأحجار مما أكسبه مهارة وخبرة في مجال البناء وابتكار أساليب مختلفة لتشييد المباني بمختلف وظائفها ، لذلك ليس من الغريب أن نشاهد ذلك الكم الكبير من الألفاظ الواردة في نقوش المسند المتعلقة بالبناء والتي تظهر بشكل أكثر من تلك التي استخدمت في أجزاء أخرى من شبه الجزيرة العربية . وكان من أهم الأحجار والصخور التي استخدمها المعماري اليمني القديم في أعمال البناء هي : الأحجار الجيرية والرملية ، وصخور الجرانيت ، والبازلت ، والرخام والمرمر، وقد كان لكل نوع من هذه الأنواع استخدامات معينة ، وأسم خاص بها على النحو الأتي :
أولا : الأحجار الجيرية :-
من الألفاظ والمسميات التي ترد في نقوش المسند لهذا النوع من الحجارة هي :
(م ر ت ن) : وتعني حجر جيري أو كلسي (المعجم السبئي)، النقش( Fakhry 90/2 ) كما ورد هذا اللفظ في عدد من النقوش القتبانية ومنها النقش ( Van Lessen 1 ) بنفس المعنى السابق والذي يعدد فيه المواد التي استخدمت في عمارة أحد المباني ، حيث وردت عبارة (ب ل ق | م ر ت ن) والذي يقصد به هذا النوع من الأحجار الذي تم تشذيبه وتنعيمه ، وبالتالي فإن المعنى يدل على التقنية المستخدمة في تشذيب وصقل الأحجار .
ومن الأسماء الأخرى لهذا النوع من الحجارة (البلق) ويرد في نقوش المسند بكثرة تحت جذر (ب ل ق) بمعنى حجر كلسي ، واسم (بلق) جاء نسبة إلى المنطقة التي كان يستخرج منها من جبل البلق الأيمن ، والأيسر الواقعان على جانبي سد مأرب إلى جانب جبل البلق الأوسط ، وغالبا ما كان هذا النوع يستعمل في أعمال النحت والأعمدة في أجزاء مختلفة من المباني ، بالإضافة إلى الألواح الحجرية الخاصة بكتابة نقوش المسند .
ومن أهم نماذج استخدم الأحجار الجيرية (قليلة المسامية) على سبيل المثال هو ما نشاهده في بناء الجدران ونحت الأعمدة والأعتاب وتبليط الأرضيات في معبد وعول صرواح المُكرس للمعبود إل مقه ، حيث قطعت وصقلت بعناية فائقة ، كما استخدمت بنفس الأسلوب في بناء كل من معبد برآن ومعبد أوام ، كما استخدمت على نطاق واسع في مملكة معين في معظم المباني الدينية كما في معبد نكرح المبني داخل مدينة براقش (يثل) على شكل أعمدة وأعتاب ، ورصفت به الأرضيات وبنيت به الجدران ، وكأعمدة بوابات وأعتاب وروافد وبلاطات أسقف في معبد عثتر ذي رصفم خارج مدينة نشان (السوداء) ، كما استخدم الحجر الجيري إلى جانب الحجر الرملي أيضا في مملكة حضرموت والتي كانت من المواد الرئيسية التي استخدمت في مباني العاصمة شبوة.
ثانيا : أحجار الجرانيت والمرمر والرخام :-
من الألفاظ والمسميات التي ترد في نقوش المسند لهذا النوع من الحجارة هي :
مقصعت: اسم جمع ، والمفرد منه مقصع، ورد في نقشي (Baynūn 2/3 و Baynūn 1/2) بمعنى نفق ، ولكن يرد الاسم نفسه في نقش بُرع 1 و بُرع 2 بحيث لا يتفق مع معنى نفق ، فالمقصعت هنا ربما يكون من الجرانيت والذي يظهر بعد عملية صقله وتنعيمه قريب جدا من المرمر أو الرخام ، كما نجد أنه في كل من النقشين (بُرع 1 و بُرع 2) تم تفسير المقصعت (من الرخام من أجل بيت الملك) ، وفي النقش (برع2 ) نجدها شيء منحوت من أجل أحواض المياه ، وبالنظر لجذر الاسم ”قصع“ نجده في الصيغة الفعلية يعني نقب (نفقاَ) قطع (المعجم السبئي،وأيضا معجم بيلا ) ، واستناداً لنتائج المسح الأثري اتضح أن مكان تواجد هذه النقوش(برع 1 وبرع 2) تقع ضمن إطار بداية مدخل وادي بُرع (أحد روافد السيلة البيضاء) ،والذي ينحصر بين سلسلتين جبليتين تمتدا لعدة كيلومترات تظهر تكويناتها من صخور الجرانيت الوردي إلى جانب عروق الرخام الأخضر والرمادي ، وبذلك فان هذا يؤكد أن هذه المنطقة استخدمت منذ فترات قديمة كمحاجر لقطع الأحجار والرخام ، وبالتالي وعلى ضوء ما ورد في هذه النقوش من ألفاظ فإنها تؤكد الوظيفة الرئيسية لهذا الموقع الذي يشكل أحد المحاجر الرئيسية التي كانت ترفد المناطق الأخرى بأهم مواد البناء والمتمثلة بأحجار الجرانيت وألواح الرخام .
موجلن: اسم معروف بمعنى رخام، (البستر) المعجم السبئي ، ويرد هذا الاسم في العديد من نقوش المسند التي تذكر استخدامه في رصف أجزاء من المباني ، كما ترد بنفس المعنى الذي يؤكده نقش محفوظ بمتحف اللوفر برقم ( A0 21.124 ) والذي يذكر فيه (ش م ر ي | م و ج ل ن) وهي عبارة تدل على تقدمة من الرخام كضريبة عينية مفروضة على مقدمها ، وفي النقش برع 1الذي يذكر فيه : (معد كرب/ أشوع/ بن/ ضرن. وجملن/ وأحرم/ وزع/ مض. حيم/ بن/ أب يدع/ تقدم/ مق. صعت/ موجلن/ لبيت/ ملكن/ هـ . رجب/ بردأ/ ألن/ بعل/ سمين/ بو. رخن/ صيد/ ذلثمنت/ وثمنهي/ و. ثلث/ مأتم/ خريفتم) بمعنى (معدي كرب أشوع من (آل) ضرن ، وجملن وأحرم قائد مضحيم بن أبي يدع تولى (قطع) صفائح (ألواح) الرخام للبيت الملكي (المسمى) هرجب بمباركة الإله سيد السماء في شهر صيد في سنة 388 ) .
وهنا يتضح لنا من خلال المعالم والشواهد الأثرية الخاصة بأطلال المدن والمنشآت المعمارية أن المعماري اليمني القديم استخدم أحجار الجرانيت في العمارة والتي تظهر بأشكال ونوعيات جيدة وألوان متعددة مثل الرمادي والوردي والأبيض والتي تشكلت منها معظم الأعمدة الضخمة وأعتاب السقوف ، ولم تقتصر استخداماتها على العمارة فقط وإنما استخدمت أيضا في الزخرفة وتغطية الجدران المزدوجة والواجهات الخارجية بعد تشذيبها وصقلها ، حيث يظهر مدى إبداع وإتقان المعماري اليمني ومعرفته بخواص مواد البناء وتوزيعها بجلاء في معبد الإله ود ذي مسمعم التي بنيت أركانه بالأحجار الجيرية ، بينما الجدران بنيت من أحجار الجرانيت اللامع والصخور البركانية التي عملت على إبرازه وفقا لمكانته الدينية والروحية ، كما تظهر
Негізгі бет أنواع الأحجار وألفاظ البناء في نقوش المسند
Пікірлер: 37